responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 54
وَشَرْعَكُمْ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ الَّتِي ذكروها، فقوله: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ يعني يريدون كيدهم وعنادهم ليطفؤا، وَأُمِرْنَا بِمَا أُمِرْنَا لِنُسْلِمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: قَوْلُهُ: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.
مَعْنَاهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَالتَّكْرِيرُ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: لِيُبَيِّنَ لَكُمْ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ لَنَا هَذِهِ التَّكَالِيفَ، وَمَيَّزَ فِيهَا الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ وَالْحَسَنَ مِنَ الْقَبِيحِ.
ثُمَّ قَالَ: وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا بَيَّنَ تَحْرِيمَهُ لَنَا وَتَحْلِيلَهُ لَنَا مِنَ النِّسَاءِ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَقَدْ كَانَ الْحُكْمُ أَيْضًا كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ وَالْمِلَلِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى يَهْدِيكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قبلكم في بيان مالكم فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ كَمَا بَيَّنَهُ لَهُمْ، فَإِنَّ الشَّرَائِعَ وَالتَّكَالِيفَ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي نَفْسِهَا، إِلَّا أَنَّهَا مُتَّفِقَةٌ فِي بَابِ الْمَصَالِحِ، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يَهْدِيكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ لِتَجْتَنِبُوا الْبَاطِلَ وَتَتَّبِعُوا الْحَقَّ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى كَمَا أَرَادَ مِنَّا نَفْسَ الطَّاعَةِ، فَلَا جَرَمَ بَيَّنَهَا وَأَزَالَ الشُّبْهَةَ عَنْهَا، كَذَلِكَ وَقَعَ التَّقْصِيرُ وَالتَّفْرِيطُ مِنَّا، فَيُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ قَدْ يُطِيعُ فَيَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ، وَقَدْ يَعْصِي فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّلَافِي بِالتَّوْبَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ إِشْكَالًا: وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مَخْلُوقٌ للَّه تَعَالَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ لَيْسَ مَخْلُوقًا للَّه تَعَالَى، وَالْآيَةُ مُشْكِلَةٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: فَلِأَنَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ اللَّه تَعَالَى فَإِنَّهُ يَحْصُلُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ التَّوْبَةُ لِكُلِّنَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: فَهُوَ تَعَالَى يُرِيدُ مِنَّا أَنْ نَتُوبَ بِاخْتِيَارِنَا وَفِعْلِنَا، وَقَوْلُهُ: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ظَاهِرُهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ التَّوْبَةَ فِينَا وَيَحْصُلُ لَنَا هَذِهِ التَّوْبَةُ، فَهَذِهِ الْآيَةُ مُشْكِلَةٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ.
وَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ قَوْلَهُ: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ التَّوْبَةَ فِينَا. وَالْعَقْلُ أَيْضًا مُؤَكِّدٌ لَهُ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ عِبَارَةٌ عَنِ النَّدَمِ فِي الْمَاضِي، وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالنَّدَمُ وَالْعَزْمُ مِنْ بَابِ الْإِرَادَاتِ، وَالْإِرَادَةُ لَا يُمْكِنُ إِرَادَتُهَا، وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، فَإِذَنِ الْإِرَادَةُ يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ فِعْلَ الْإِنْسَانِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا النَّدَمَ وَهَذَا الْعَزْمَ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا بِتَخْلِيقِ اللَّه تَعَالَى، فَصَارَ هَذَا الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ دَالًّا عَلَى صِحَّةِ مَا أَشْعَرَ بِهِ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَتُوبُ عَلَيْنَا فَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوْ تَابَ عَلَيْنَا لَحَصَلَتْ هَذِهِ التَّوْبَةُ، فَنَقُولُ: قَوْلُهُ:
وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ خِطَابٌ مَعَ الْأُمَّةِ، وَقَدْ تَابَ عَلَيْهِمْ فِي نِكَاحِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَسَائِرِ الْمَنْهِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَحَصَلَتْ هَذِهِ التَّوْبَةُ لَهُمْ فَزَالَ الْإِشْكَالُ واللَّه أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَيْ عَلِيمٌ بِأَحْوَالِكُمْ، حَكِيمٌ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ بِكُمْ وَيَحْكُمُ عَلَيْكُمْ.

[سورة النساء (4) : آية 27]
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قِيلَ: الْمَجُوسُ كَانُوا يُحِلُّونَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، فَلَمَّا حَرَّمَهُنَّ اللَّه تعالى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 54
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست